هذا ما حصل في أحياء حلب الشرقية بعد التهجير مصطفى أبو شمس عندما أرسلَ لي أحد الأصدقاء مقطع فيديو لحارتي في #مساكن_هنانو في مدينة #حلب، بدا كل شيء تافهاً لوهلة، الوحدة التي عمّت المكان كانت موجعة، والبحث عنّا في صور المكان دون جدوى كان كمن يهيل التراب على جزءٍ من حياته. أردت لهذا الجزء أن يعيش بحق، ولكن بدا كل شيءٍ غريباً عني في الحي، الذي يمتد على مساحة ثلاثة كيلو مترات ويضم 400 مبنى في كل منها 30 شقة سكنية، وتحيط به المباني العشوائية التي تزايدت مع الزمن منذ سكني فيه العام 1992، لتأكل أراضي القمح التي كانت منتشرة بحيث كانت المباني المتشابهة تبدو ككتلة من الإسمنت وسط سهل أخضر، تضم خليطاً سكانياً متكاملاً من جميع المحافظات السورية على امتدادها، لا تجمعهم اللهجات، ولا يوحدهم إلا الفقر والوجوه المتعبة. كان الدمار الذي لحق بالحي هائلاً، تجاوزت نسبته 70% بين مبانٍ متضررة بشكل كامل وأخرى لم تعد تصلح للحياة، أما ما تبقى منها فقد امتلأ بالشظايا التي تشهد على البراميل والصواريخ والقذائف التي كان لمدينة #هنانو الحصة الأكبر منها، ربما لأنه أول الأحياء التي أعلنت محررة بالكامل في 31/7/2012. يقول صديقي وهو يجول في الحي مشيراً في زيارته التفقدية إلى ما جمعنا سوياً أيام الصبا: «هذا بيتك». حاولتُ كثيراً أن أدقق في أكوام الحجارة الملقاة على الأرض، في محاولة مني للتعرف على المكان، ولكن دون جدوى، غير أنني استطعتُ التعرف على الشارع الذي كنا نلعب كرة القدم حفاةً فيه. عند الدخول إلى الحي يصادفك حاجزٌ «للجيش السوري بعلمه ذي النجمتين الخضراوين»، يسألونك عن وجهتك دون اكتراثٍ أو تدقيق، تجيبهم بلغة صماء: «إلى بيتي»، فيضحك رجال الحاجز وهم يشيرون بأعينهم إلى الركام. قسمٌ من الذين عادوا إلى الحي كان قد خرج في بداية #الثورة ليسكن في الأحياء الغربية على اختلاف الأسباب التي دعتهم إلى ذلك، إذ يرى بعضهم أن تلك كانت «فورة» وليست «ثورة» منطلقين على خوفهم من أي حراك. معظم أهالي هنانو كانوا من الموظفين، واكتفوا بـ «الله يطفيها بنورو»، فهرب بعضهم بأطفاله من جحيم القذائف تدفعه غريزة الحياة، متعللاً بمقولة كانت أشد وطأة على أرواحنا: «بيكفي الأمان». كذلك فإن قسماً من أبناء الحي تحول ضمن الانقسام الحاصل في الحي إلى «شبيحة» الذين عادوا إلى الحي الذي كان يقطنه أكثر من 300 ألفاً «لا يتجاوزون خمسة عشر ألفاً، والشوارع التي تحتضنهم ترتدي الزي العسكري»، حسب تعبير الآنسة منى، وهي إحدى المدرسات العائدات إلى بيتها بالقرب من منطقة #البريد وسط الحي. هذا الشارع الذي كان يسمى سابقاً «كورنيش هنانو»، ابتداءً من البريد حتى #الملعب، كان يغصّ في الصيف بآلاف العائلات الهاربة إلى الطبيعة بهدف الترويح عن نفسها، يأكل أفرادها الذرة المشوية والمثلجات، هو كل ما تبقى من #مساكن_هنانو، «أما باقي الأحياء فأنتَ لا تجدُ فيها سوى الدمار، معظم البيوت تهدمت والذي لم يتهدم سُرِق، لقد سرقوا حتى المسامير عن الحائط». بعض الناس بدأوا بترميم بيوتهم، والبعض الآخر غطى النوافذ والأبواب بـ «شوادر» وعادوا إلى مساكنهم بعد أن أرهقهم الإيجار. وُضِعَت خزانات مياه من قبل المنظمات الإنسانية في هذا الشارع، بعد أن قُطعت الكهرباء والماء عن الحي نظراً للدمار الحاصل في البنية التحتية، وأُعيد فتح بعض محال الألبسة بالقرب من #المخفر، وتناثرت بعض بسطات الخضار على جوانب الطريق. المظهر الذي يغيب عن #هنانو هو «الأطفال وكرة القدم»، وأصبح فيه مركزٌ لما سموه «المصالحة الوطنية» لمراجعته وإثبات ملكية البيوت في الحي، و«براكة» لبيع الخبز وأخرى لتوزيع الإغاثة، ومدرسة واحدة تضم عشر قاعات صفيّة للمرحلة الأولى والثانية، أما مولدات الكهرباء التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة لبيع «الأمبيرات» فقد غابت عن الحي، وفي منتصفه تجد برجاً جديداً لشركة MTN للاتصالات. الآنسة منى تقول إنه لا توجد ثانويات في الحي أُعيد افتتاحها، بعد أن كانت #مدينة_هنانو السكنية تضم أكثر من سبع مدارس اثنتان منها للمرحلة الثانوية، وتعزو السبب إلى قلة عدد العائدين على الرغم من الحديث الدائر في مديرية التربية عن إعادة تأهيل عدد من المدارس، ولكن هذا الأمر يبدو صعباً جداً لأن معظم المدارس في الحي مدمرة ولا يمكن ترميمها. على مداخل الحارات المهدمة هناك حواجز مؤلفة من عنصرين أو ثلاثة، أما في الشارع المأهول بالسكان فلا يوجد حواجز، بل تتوزع مجموعة من عناصر الدفاع الوطني «الشبيحة» بلباسهم وأسلحتهم، يمرون في الطرقات دون أن يقوموا بالتفتيش، وعند نهاية شارع #البريد يوجد حاجز الشرطة الروسية المؤلف من سيارتين وبعض الجنود، ويقتصر دورهم على المراقبة. «السكان تغيروا»، قال صديقي وهو يحدثني عن حاراتنا، «هناك أناس جدد لم يكونوا من أبناء هذه المنطقة، تجد في عيونهم نظرة الشامت، أما الذين عادوا من مراكز إيواء في جبرين فقد سكنوا في بيوت مدينة هنانو حتى لو لم تكن لهم ولا يعرفون مُلّاكها الحقيقين. هناك أيضاً الذين ظلّوا في المدينة بعد أن دخلها الجيش، تجدهم خائفين يمشون بسرعة ولا ينظرون إلى السماء. الناس انقسمت، وعنصر المشاركة يكاد يكون معدوماً، لا يوجد شبان ولا كبار بالسن يمشون مجتمعين، لا يضحكون ولا يترافقون، كل شخص يمشي وحده، شيءٌ ما كسر الكبرياء في داخلهم ليحل مكانه عنصر الألم». عند الخروج من #مدينة_هنانو يقابلك دوار #الحيدرية المليء بالأعلام، #أعلام كثيرة #روسية و #سورية و #إيرانية و #كردية، وأعلام لميليشيات #حزب_الله و #لواء_القدس وميليشيات #عراقية أخرى، «تظن نفسك وأنت تمر في هذا الدوار وكأنك في #الأمم_المتحدة» يضحك «المصور» وهو يمرّ من الدوار معلقاً على ما التقطه من الصور. الحيدرية، الحي الذي أهملته الدولة لسنوات كثيرة مرت، كان مكاناً عشوائياً بأبنية فقيرة متناثرة، يحوي خليطاً من #العرب و #الأكراد و #التركمان، جلّهم يعمل في صناعة الأحذية في الورشات التي كانت منتشرة في الحي الذي تملأه رائحة الجلد ولاصق «الشعلة». لم يدخل صديقي في الحي العشوائي، بل أكمل طريقه باتجاه #طريق_الباب الذي يبعد حوالي كيلو مترين عن الدوار ليمر فوق ركام حي #الصاخور، الحي الذي لم يعد صالحاً أبداً للحياة. بعض المارة الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، بيوتٌ قليلة ما زلت ترى فيها أثراً لحياة من خلال نافذة مغلقة، أما باقي المنازل فلا يسكنها سوى الريح. عند جسر المشاة المليء بالثقوب، والفاصل بين #الصاخور و #الحلوانية، تنتشر الحواجز بكثرة، التفتيش كان شكلياً، ولكن الحياة كانت شبه معدومة في الحي باستثناء محل مهجور بات دكاناً يحوي بعض المواد الغذائية، وبعض السكان الذين في الغالب قد أتوا إلى المنطقة للاطمئنان على ما تبقى من بيوتهم. في الشارع الممتد من #طريق_الباب نحو #الشعار، يبدو كأن حرباً لم تمر من هناك يوماً لولا الأبن

Теги других блогов: حلب التهجير الحرب السورية